المملكة العربية السعودية- مركز الثقل السياسي والاقتصادي والأمني في الشرق الأوسط
المؤلف: محمد مفتي10.12.2025

منذ تولي الأمير الشاب محمد بن سلمان مهام ولاية العهد، أصبحت الرياض محط أنظار قادة العالم ووجهة رئيسية لهم، فبالإضافة إلى الزيارات المتعددة التي قام بها رؤساء وزعماء الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، تجلى بوضوح الدور الإقليمي المتنامي للمملكة في المنطقة، مما جعلها مركزًا حيويًا للعمل الدؤوب على كافة الأصعدة. لم يقتصر هذا النشاط على المجالات السياسية والاقتصادية المعهودة، بل امتد ليشمل الجوانب الأمنية والرياضية والفنية أيضًا، مما رسخ مكانة المملكة كقبلة للعالم في منطقة الشرق الأوسط.
لاشك أن النموذج التنموي الذي طرحه الأمير محمد بن سلمان للعالم يمثل رؤية طموحة للتطوير الاقتصادي، ويهدف إلى تقليل اعتماد المملكة على اقتصاد النفط وتقلبات أسعاره. هذا النموذج الاقتصادي التنموي يحمل في جوهره تطورًا عميقًا على المستويين الأمني والسياسي، فكلما ازدادت القوة الاقتصادية للدولة، تعزز تأثيرها السياسي، وكلما نما وزنها السياسي، ازدادت قدرتها على توفير غطاء أمني قوي، وهذا الغطاء الأمني القوي بدوره يزيد من فرصها الاقتصادية والاستثمارية.
على الصعيد السياسي، يلاحظ أن الدور المحوري الذي تلعبه المملكة في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي بدأ يؤتي ثماره بشكل ملموس، ويتجلى ذلك في سلسلة من التغيرات الجوهرية التي تشهدها المنطقة على مختلف الأصعدة. فمع أفول نجم العديد من القوى في المنطقة وظهور قوى جديدة، دخلت المنطقة العربية مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والأمني والعسكري. وعلى الرغم من الإنجازات المتواصلة التي تحققها المملكة يومًا بعد يوم، لا تزال هناك بعض الأصوات المغرضة التي تحاول عبثًا تصوير المملكة على أنها تعاني من تذبذب اقتصادي وأمني!
لسنا في حاجة إلى تفنيد هذه المزاعم الواهية التي تكذبها الحقائق والأرقام، ولكننا سنعرض بإيجاز بعض الوقائع التي تثبت بما لا يدع مجالاً للشك مدى زيف هذه الادعاءات وتعارضها مع المنطق السليم. نبدأ بسوريا، التي تستقبل عاصمتها دمشق وفودًا من المسؤولين من مختلف دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا. ومع ذلك، فضلت القيادة السورية الجديدة أن تبدأ ولايتها بالتأكيد على قوة علاقاتها بالمملكة وثقتها المطلقة بها، حيث حرص الرئيس الجديد (رغم جدول أعماله المزدحم بالزيارات) على زيارة المملكة والاجتماع بولي العهد، تأكيدًا على عمق ومتانة العلاقات بين البلدين الشقيقين.
وفي غضون أيام قليلة، زار الرئيس الألماني الرياض، في زيارة تعكس الأهمية المتزايدة التي توليها ألمانيا للمملكة. هذه الزيارة تعد فريدة من نوعها، نظرًا لأن الرئيس الألماني لا يقوم عادة بالعديد من الزيارات الرسمية الخارجية، إلا أن رغبة ألمانيا القوية في بناء جسور التعاون وتعزيز العلاقات مع المملكة، وتأسيس شراكات استثمارية متبادلة، تؤكد على ثقة ألمانيا قيادة وشعبًا بالمملكة، وتعكس قدرة المملكة على جذب الاستثمارات الألمانية ودفعها للازدهار داخل أراضيها، وتظهر مدى حرص الدولة الألمانية على أن يكون لها نصيب في خطط التطوير الطموحة التي أطلقتها المملكة.
بالنظر إلى الخريطة الاقتصادية والاستثمارية العالمية، نجد أن العديد من المؤسسات المالية والتعليمية الدولية تسعى جاهدة ليكون لها موطئ قدم إقليمي في المملكة. خير دليل على ذلك هو اختيار المملكة العربية السعودية مؤخرًا لتكون المقر الإقليمي للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يؤكد على ثقة المجتمع الدولي في المملكة وسياساتها، ويعكس التكامل الوثيق بين الركائز السياسية والاقتصادية والأمنية التي تتبناها المملكة.
من الواضح أن المملكة تواصل الصعود بثبات نحو القمة، حيث تتحول الاستثمارات السعودية إلى شراكات راسخة وتوطين للصناعات الأجنبية داخل المملكة، مثل الشراكة القائمة بين المملكة والهند لتوطين صناعات حيوية كصناعة الأجهزة الطبية والسيارات والآلات الثقيلة. هذا بدوره سينعكس إيجابًا على تطوير قطاع الأعمال وخفض معدلات البطالة، مما يعني أن الخطط الاستثمارية تهدف إلى تطوير المملكة على المديين القريب والبعيد على حد سواء. هذا النجاح يعكس الإنجازات السياسية التي مكنت المملكة من استقطاب قادة الصناعة في العالم، ويؤكد على توفير المملكة لغطاء أمني وعسكري قوي لحماية الاستثمارات والحفاظ على حقوق المستثمرين، مما يعني في نهاية المطاف أن النمو الاقتصادي هو ترجمة واقعية للتفوق السياسي والأمني.